حدثت هذه القصة معي قبل ثلاث سنوات
كنت أستعد للسفر إلى الأراضي المقدسة برفقة والدي الحبيب، فلقد قضينا الإجازة الصيفية في العام الماضي في تلك الرحاب وما أروعها من إجازة ، يكاد قلبي يطير طربا ونفسي تذوب توقا ومشاعري ترفف حبا إلى اللقاء … عشق أبدي تجسد وحب أزليا توطد ربط جسور المحبة وأوتار الوداد وأكاليل الوفاء بين قلبي الصغير وبيت الله الذي سكن أعماق روحي من أول نظرة وأول لقاء فشهد توقيع عهدًا على الحب ووعدًا للوفاء سُطرت حروفه بدموعي وكلماته بأنفاسي وأسطره بتضرعي إلى الكريم بالعودة واللقاء … فهاهي لحظة اللقاء تقترب ولم يبقى إلا أيام معدودة…
بعد أن حجزنا التذاكر وأعددنا متطلبات السفر أقترح والدي أن نقوم بزيارة بيتنا في الجبل في بلدة صغيرة أسمها ككلة تبعد عن محل إقامتنا في العاصمة نحو ساعتين بالسيارة للسلام على جدي وجدتي وأعمامي قبل السفر وطلبُ السماح منهم ، وهي عادة جرت في بلادنا لكل من يقصد الحج أو العمرة وبالفعل غادرنا العاصمة طرابلس وصلنا وباقي أفراد الأسرة إلى ذلك البيت حيت قامت عمتي بترتيبه وتجهيزه قبل لنا لنبقى فيه الأيام التي تسبق السفر فكانت نقاوة الهواء أول من قابلنا والبعد عن صخب المدينة وضجيجها ثاني من حضننا ، بالإضافة إلى جمال المناظر الطبيعية التي إن دلت على شيء فإنما تدل على عظمة خالقها من أودية رائعة وجبال راسية وبساتين مسبحة بحمد العظيم …
مرت تلك الأيام القليلة في سعادة كلمح البصر بين الأهل والأحباب إلي أن جاء اليوم الذي سنغادر فيه إلى العاصمة ومنها إلى مكة ، دعتنا زوجة عمي لتناول طعام الغداء في بيتها فقبلنا الدعوة وسبقتني أمي وأخواتي على أن ألحق بهم بعد أن أكمل تجهيز بعض الأغراض … أنهيت ما كان بيدي وتناولت الطرحة ووضعتها على شعري وعندما هممت بالخروج من باب البيت أردت أن أتأكد من أن الطرحة تغطي مقدمة رأسي جيدا ولا يظهر شيء من شعري … عندما وضعت يدي شعرت بشيء لم أعرفه وبسرعة كبير وبحركة تلقائية تمسك يدي بذلك الشيء وتقوم برميه وإلقاءه بعيدا وكأن قوة غريبة تحركها … عندما رأيت ذلك الشيء كاد أن يغمى علي … عقرب … نعم إنها عقرب سوداء ضخمة ضخامة لا يمكن وصفها صرت أردد بصوت لا يكاد يسمع عقرب عقرب عقرب نعم أنها عقرب … بقيت تحت هول الصدمة غير مصدقة
… لا بد أنها كانت على الطرحة عندما أخذتها وارتديتها دون أن أشعر بوجودها فلابد أنها دخلت من النافذة … ولكن كيف لم تلدغني في ناصيتي وكيف عندما لمستها بيدي ورميتها لم تلدغني في يدي… تذكرت قول الله سبحانه وتعالى (من يتق الله يجعل له من أمره يسرى) … وما قصتي كلها إلا تصديق لقوله عز في علاه … وتبين كيف أن حرصي على حجابي هو الذي أنقذني من الموت المحقق فسبحان الله والحمد لله… هرع الجميع إلىّ يهنئونني ويباركون على سلامتي غير مصدقين ما حدث ومستغربين نجاتي من موت محتوم……